ektsadna.com
بيتكوين

سيف الدين عموس: “لا شيء يوقف هذا القطار” – تثر، البيتكوين، ونهاية لعبة الدولار

“`html




سيف الدين عموس: “لا شيء يوقف هذا القطار” – تثر، البيتكوين، ونهاية لعبة الدولار

سيف الدين عموس: “لا شيء يوقف هذا القطار” – تثر، ال، ونهاية لعبة ال

من مؤتمر Bitcoin 2025، أطلق الخبير الاقتصادي الشهير ومؤلف كتاب “معيار البيتكوين” (The Bitcoin Standard)، سيف الدين عموس، تحذيراً مدوياً بشأن مستقبل الدولار الأمريكي. لم تكن كلماته مجرد تنبؤات نظرية، بل كانت مدعومة بالبيانات والات الاقتصادية العميقة التي يشتهر بها عموس في كتابه ومقالاته وأبحاثه. في خطابه الرئيسي الذي حمل عنواناً قوياً ومثيراً للتفكير: “لا شيء يوقف هذا القطار”، سلط عموس الضوء على المسار الحتمي للتدهور والانهيار الذي يراه ينتظر الدولار الأمريكي، مؤكداً في الوقت ذاته أن البيتكوين يمثل التحوط المنطقي والوحيد المتاح للأفراد والمؤسسات في هذا المشهد الاقتصادي العالمي المتغير بسرعة. لقد صرح عموس بوضوح وبشكل قاطع: “التخلف عن السداد، أو خفض القيمة، أو التخلف عن السداد بخفض القيمة أمر لا مفر منه”، قاصداً بذلك المصير المحتوم للعملات الورقية المدعومة فقط بمرسوم حكومي. وأضاف بنبرة قوية ومباشرة موجهة إلى أحد أبرز اللاعبين في عالم العملات الرقمية: “تثر لا يمكنه إصلاح ما أفسده قرن من الديمقراطية الورقية”. هذه الكلمات لم تكن مجرد إعلان عن رأي اقتصادي، بل كانت دعوة صريحة للتفكير الجدي في مستقبل العملات والمدخرات والأصول في عالم يتجه نحو تحولات جذرية تتطلب فهماً عميقاً لديناميكيات المال والاحتياطيات النقدية والقوى التي تحركها.

المسار الحتمي لتدهور الدولار الأمريكي

يرتكز تحليل سيف الدين عموس لمستقبل الدولار الأمريكي على فهمه العميق لطبيعة النقود الورقية (fiat currency)، وهي العملات التي تستمد قيمتها من ثقة الناس بها وقوة القانون الذي يفرضها، وليس من قيمة جوهرية مرتبطة بأصل مادي مثل الذهب أو الفضة. يرى عموس أن التاريخ الاقتصادي الطويل للبشرية يثبت مراراً وتكراراً أن العملات التي لا ترتكز على أصول صلبة أو مدعومة بمعيار محدد وثابت، والتي يتم إصدارها وإدارتها بواسطة الحكومات والبنوك المركزية التي تخضع لضغوط سياسية واقتصادية قصيرة المدى وغير ملزمة بمعايير نقدية صارمة وقابلة للمساءلة حقاً، محكوم عليها بالتدهور التدريجي وفقدان القيمة على المدى الطويل. هذه الظاهرة ليست حكراً على عصرنا الحديث، بل شهدتها العديد من الإمبراطوريات والدول عبر التاريخ بمجرد تخليها عن المعايير النقدية الصارمة (مثل معيار الذهب) وتحولها إلى أنظمة نقدية ورقية غير مقيدة بالواقع المادي للندرة.

يشير مصطلح “الديمقراطية الورقية” الذي يستخدمه عموس إلى النظام السياسي والاقتصادي الذي يسمح للحكومات المنتخبة بالتأثير بشكل مباشر ومفرط على السياسة النقدية من خلال التحكم في البنوك المركزية أو ممارسة ضغوط عليها. غالباً ما يؤدي هذا التأثير إلى تفضيل حلول سهلة وقصيرة الأجل للمشاكل الاقتصادية أو ل برامج سياسية معينة. هذه الحلول غالباً ما تتضمن زيادة الإنفاق الحكومي بشكل يفوق الإيرادات، مما يستدعي الاقتراض الهائل (زيادة الدين العام)، أو ببساطة طباعة المزيد من النقود لتلبية الاحتياجات المالية للحكومة. هذه الإجراءات، رغم أنها قد تبدو حلولاً سريعة ومريحة في البداية لمعالجة الأزمات أو تحقيق أهداف سياسية، تؤدي حتماً إلى التوسع السريع في المعروض النقدي بوتيرة أسرع بكثير من نمو الاقتصاد الحقيقي وإنتاج السلع والخدمات. النتيجة المباشرة لذلك هي تآكل القوة الشرائية للعملة، حيث يصبح هناك المزيد من وحدات العملة تتنافس على نفس الكمية (أو كمية لا تزداد بنفس الوتيرة) من السلع والخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، أي التضخم.

الحتمية التي تحدث عنها عموس – التخلف عن السداد (Default)، خفض القيمة (Devaluation)، أو التخلف عن السداد بخفض القيمة (Default by Devaluation) – هي نتيجة منطقية ومحتومة لهذا النظام النقدي الورقي غير المنضبط على المدى الطويل. فمع تزايد الديون الحكومية إلى مستويات غير مستدامة، يصبح أمام الحكومات خيارات محدودة. إما أن تفشل الحكومة بشكل صريح في سداد ديونها المستحقة في الوقت المحدد، مما يؤدي إلى تخلف كامل أو جزئي عن السداد. أو، وهو الأكثر شيوعاً في العصر الحديث، تلجأ الحكومة إلى سلاح التضخم المقنع من خلال توجيه البنك المركزي لطباعة المزيد والمزيد من النقود. هذه النقود الجديدة تقلل من قيمة العملة الموجودة بالفعل في التداول، وبالتالي تخفض من القيمة الحقيقية للديون المستحقة. يصبح سداد الدين الاسمي أسهل بعملة أصبحت قيمتها الحقيقية أقل، وهذا هو خفض القيمة. السيناريو الثالث هو مزيج من الاثنين، حيث قد يحدث تخلف عن السداد في بعض أنواع الالتزامات الحكومية، بينما يتم خفض قيمة العملة بشكل عام من خلال السياسات النقدية التيسيرية. في كل الأحوال، المتضرر الأكبر من هذه السياسات هو حامل العملة، سواء كان مواطناً عادياً يحتفظ بمدخراته في البنك ويرى قوتها الشرائية تتآكل يوماً بعد يوم، أو مستثمراً محلياً أو دولياً يرى قيمة أصوله المقومة بالدولار تنخفض مقارنة بالأصول الحقيقية أو العملات الأخرى الأكثر استقراراً.

هذه ليست مجرد نظرية اقتصادية أكاديمية بالنسبة لعموس، بل هي ملاحظة عملية مستمدة من أنماط تاريخية متكررة وموثقة بشكل جيد عبر الأنظمة النقدية الورقية المختلفة في جميع أنحاء العالم وعلى مر القرون، وحتى في العصر الحديث مع أزمات العملات المتكررة في العديد من الدول. الوضع الحالي للدولار الأمريكي، كونه العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، لا يعفيه من هذه الديناميكيات الجوهرية للعملات الورقية. مع مستويات الدين الفيدرالي التي تجاوزت مستويات غير مسبوقة تاريخياً وتستمر في الارتفاع، ومع السياسات النقدية التيسيرية للغاية التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي لسنوات طويلة استجابة للأزمات الاقتصادية (مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008 وجائحة كوفيد-19)، يضعه كل هذا، في نظر عموس، على مسار حتمي لا مفر منه نحو إحدى النهايات الثلاث التي ذكرها: التخلف، أو خفض القيمة، أو كلاهما. ويرى أن مجرد محاولة “إصلاح” هذا النظام النقدي الورقي المتهاوي باستخدام أدوات مشتقة منه، مثل المرتبطة بالدولار مثل تثر، هو أشبه بمحاولة تجميل هيكل آيل للسقوط بطلاء جديد. المشكلة، في جوهرها، هيكلية وعميقة تتعلق بطبيعة النقود نفسها وقابليتها للتضخم السياسي، وليس فقط بأدوات الدفع الرقمية أو غيرها من التقنيات المالية الحديثة.

تثر كجسر انتقالي: ديناميكية الكسر الصعودي

يقدم سيف الدين عموس رؤية فريدة ومثيرة للجدل في نفس الوقت حول الدور الذي يمكن أن تلعبه تثر (USDT)، العملة المستقرة الأكبر والأكثر سيولة في عالم العملات الرقمية، في هذا المشهد الاقتصادي العالمي المتغير. على عكس الرؤية التقليدية التي ترى في العملات المستقرة مجرد بدائل رقمية مريحة للعملات الورقية تهدف إلى محاكاة استقرارها الاسمي مقابل الدولار أو اليورو، يرى عموس في تثر أداة يمكن أن تتحول لتصبح عاملاً مساعداً رئيسياً، وإن كان غير مقصود في البداية، في عملية التحول العالمي نحو معيار البيتكوين الجديد. يرى عموس أن طريقة إدارة احتياطيات تثر، وخاصة تزايد حصة البيتكوين فيها، ستلعب دوراً حاسماً في هذه الديناميكية.

باستخدام ال المبنية على بيانات تثر المتاحة للجمهور حول مكونات احتياطياتها، وتحليلات السوق لتوجهات ال العالمية، أوضح عموس حجته بأن استراتيجية تثر المتزايدة في الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة ومتنامية من البيتكوين، بالإضافة إلى الاحتياطيات التقليدية بالدولار الأمريكي وأدوات الدين قصيرة الأجل والسندات، يمكن أن تؤدي قريباً جداً إلى تجاوز قيمة احتياطيات البيتكوين التي تمتلكها تثر لقيمة احتياطياتها من الدولار والأصول المقومة بالدولار مجتمعة. هذه النقطة ليست مجرد تفصيل فني، بل هي محورية للغاية في تحليله للمستقبل. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، والذي يتناوله عموس بشكل مباشر: ماذا يحدث عندما تصبح قيمة البيتكوين في خزائن تثر (والتي تقدر بمليارات الدولارات) أكبر بكثير وأكثر هيمنة من قيمة الأصول المقومة بالدولار في نفس الخزائن؟

يتوقع عموس في هذا السيناريو الجديد، حيث تهيمن احتياطيات البيتكوين على ميزانية تثر العمومية، أن تثر “ستكسر الربط صعوداً” (break the peg upwards) مقابل الدولار الأمريكي. هذا يعني أن قيمة 1 USDT لن تبقى ثابتة بشكل صارم عند 1.00 دولار أمريكي كما هو متعارف عليه حالياً وكما هو الهدف المعلن لمعظم العملات المستقرة المرتبطة بالدولار. بدلاً من ذلك، يمكن أن تبدأ قيمة تثر في التداول بقيمة أعلى من الدولار، مثلاً 1.01 دولار أمريكي، ثم 1.02 دولار أمريكي، وربما أكثر من ذلك، وتستمر هذه القيمة في إعادة تقييمها صعوداً بشكل تدريجي ومستمر مع استمرار ضعف الدولار الأمريكي وتآكل قوته الشرائية الحقيقية في السوق العالمية. في هذا العالم المتحول الذي يتصوره عموس، لا يعود USDT عملة مستقرة بالمعنى التقليدي التي تحافظ على استقرارها الاسمي *مقابل* الدولار بمعنى الثبات المطلق عند سعر واحد بغض النظر عن الظروف الاقتصادية. بدلاً من ذلك، يصبح عملة مستقرة *نسبياً* في سياق اقتصادي عالمي يتراجع فيه الدولار بشكل مستمر وسريع. قيمة تثر الحقيقية، المدعومة بشكل متزايد بالبيتكوين، تصبح أكثر استقراراً وحفظاً للقيمة من الدولار نفسه.

هذا التحول المقترح من قبل عموس يغير بشكل جذري فهمنا لكيفية عمل العملات المستقرة وكيف يمكن أن تتفاعل مع التدهور المحتمل للعملات الورقية الرئيسية مثل الدولار. يرى عموس أن تثر، بحجمها الهائل، سيولتها غير المسبوقة في عالم العملات الرقمية، ودورها المحوري كبوابة رئيسية يمر عبرها جزء كبير من رؤوس الأموال بين العملات الورقية وعالم الأصول الرقمية، ليست مجرد عملة مستقرة هامشية أخرى. بل هي لاعب رئيسي يمكن أن تتجلى من خلاله ديناميكيات انهيار الدولار وصعود البيتكوين بشكل واضح وملموس للملايين من المستخدمين والمستثمرين حول العالم. دورها كجسر انتقالي (transition monetary system) يصبح أكثر وضوحاً وقوة عندما تبدأ قيمتها في الانفصال عن الدولار والتحرك صعوداً نحوه، مما يعكس القوة النسبية المتغيرة بين الأصلين: تثر المدعوم بالبيتكوين، والدولار المدعوم بالديون والطباعة. هذا الكسر الصعودي، في رؤية عموس، ليس علامة ضعف في تثر، بل هو دليل على قوته المتزايدة كأصل حفظ قيمة مدعوم بأصل الندرة المطلقة (البيتكوين) في مواجهة ضعف الأصل الورقي المرتبطة به اسمياً في البداية.

حلقة التعزيز الذاتي بين تثر والبيتكوين: ديناميكية لا يمكن إيقافها

النقطة الأكثر ديناميكية وإثارة في تحليل عموس، والتي تفسر كيف يمكن لدور تثر أن يسرع من هيمنة البيتكوين، هي وصفه لما يسميه “حلقة التعزيز الذاتي” (self-reinforcing loop) التي تربط بشكل وثيق بين الطلب المتزايد على USDT، وحاجة تثر المتزايدة لتجميع البيتكوين كجزء أساسي من احتياطياتها، وسعر البيتكوين نفسه في السوق العالمية. يشرح عموس هذه الآلية المعقدة والمترابطة كالتالي، مبيناً كيف تغذي كل خطوة الخطوة التي تليها في دورة لا تتوقف تساهم بشكل مباشر في صعود البيتكوين وتهميش الدولار على المدى الطويل:

  • زيادة الطلب العالمي على USDT: مع تزايد استخدام العملات الرقمية وتبنيها على مستوى العالم، سواء كان ذلك لأغراض التداول السريع والفعال بين مختلف العملات المشفرة في المنصات الرقمية، أو للتحوط من تقلبات الأسعار العالية التي تميز العديد من الأصول الرقمية الأخرى، أو ببساطة كملاذ آمن نسبي وملاذ للقيمة في سياق اقتصادي عالمي مضطرب تسوده الشكوك العميقة حول مستقبل العملات الورقية التقليدية والتضخم المتزايد، فإن الطلب على تثر كأكثر العملات المستقرة شهرة وسيولة وقبولاً يزداد باستمرار وبوتيرة متسارعة. يفضل الكثيرون استخدام تثر كبديل عملي للدولار التقليدي في المعاملات الرقمية نظراً لسهولة نقله وتخزينه وتداوله على مدار الساعة وفي جميع أيام الأسبوع دون قيود البنوك التقليدية.
  • زيادة حاجة تثر لاحتياطيات البيتكوين: مع نمو حجم إصدار USDT بشكل كبير لتلبية هذا الطلب العالمي المتزايد، تحتاج شركة تثر، كجهة إصدار مسؤولة، إلى زيادة أصولها الاحتياطية بشكل متناسب لضمان أن كل وحدة USDT تم إصدارها مدعومة بالكامل بقيمة معادلة من الأصول للحفاظ على ملاءة الشركة وثقة السوق. تاريخياً، كانت هذه الاحتياطيات تتكون بشكل كبير من الدولار الأمريكي النقدي، وأدوات الدين قصيرة الأجل المقومة بالدولار (مثل أذونات الخزانة الأمريكية)، والسندات الأخرى. ومع ذلك، في ظل تزايد أهمية البيتكوين كأصل عالمي معترف به وتزايد قناعة عدد كبير من المستثمرين والمؤسسات بأنه يمثل مخزناً أفضل للقيمة بكثير من الدولار على المدى الطويل (خاصة في بيئة تضخمية)، وبحقيقة أن جزءاً هائلاً من تداول العملات الرقمية يتم مباشرة مقابل USDT، يصبح البيتكوين خياراً طبيعياً ومتزايد الأهمية لإضافته إلى محفظة احتياطيات تثر. تصبح إضافة البيتكوين استراتيجية منطقية لحماية قيمة الاحتياطيات من التآكل الناتج عن ضعف الدولار، بل وزيادتها مع صعود قيمة البيتكوين المتوقع.
  • زيادة مشتريات تثر من البيتكوين: لتلبية الحاجة المتزايدة لتنويع الاحتياطيات نحو أصول ذات أداء أفضل وحماية ضد ضعف الدولار، وللحفاظ على نسبة دعم قوية مع استمرار نمو حجم USDT المصدر، تقوم تثر بشراء كميات أكبر وأكبر من البيتكوين في السوق المفتوحة. نظراً للحجم الهائل لعمليات تثر وحجم رأس المال الذي تتحكم به (والذي يزداد مع كل عملية إصدار جديدة لـ USDT)، فإن مشترياتها من البيتكوين تكون ضخمة جداً وتؤثر بشكل مباشر وكبير على ديناميكيات العرض والطلب في سوق البيتكوين العالمي. تثر أصبحت بالفعل أحد أكبر حاملي البيتكوين المؤسساتيين.
  • دفع سعر البيتكوين للأعلى: تؤدي مشتريات تثر الكبيرة والمتواصلة للبيتكوين، بالإضافة إلى الطلب المتزايد من المستثمرين الأفراد والمؤسسات الأخرى الذين يتبنون نفس المنطق (أي التحوط من ضعف الدولار والبحث عن مخزن قيمة حقيقي مقاوم للتضخم)، إلى زيادة الطلب الكلي على البيتكوين بشكل كبير يفوق العرض المتاح في السوق في أي لحظة. هذا الطلب المتزايد، خاصة في ظل حقيقة أن معدل الإصدار الجديد للبيتكوين يتناقص بمرور الوقت بسبب آلية التنصيف (halving) الدورية، يدفع سعر البيتكوين نحو الارتفاع بشكل مستمر ومستدام على المدى الطويل.
  • إعادة تقييم USDT صعوداً (في سيناريو ضعف الدولار): مع ارتفاع سعر البيتكوين بشكل كبير (والذي يمثل جزءاً متزايد الأهمية والحجم من محفظة احتياطيات تثر)، ومع ضعف قيمة الدولار الأمريكي وتآكل قوته الشرائية (والذي تمثله الأصول الأخرى المقومة بالدولار في احتياطيات تثر)، تزداد القيمة الإجمالية لمجموع الأصول التي تمتلكها تثر بالنسبة إلى إجمالي عدد وحدات USDT المصدرة. هذا الفائض المتزايد في قيمة الأصول (المدفوع أساساً بارتفاع قيمة البيتكوين) يسمح لتثر بأن تتداول بقيمة أعلى من 1 دولار أمريكي، مما يعني أنها “تكسر الربط صعوداً” وتصبح قيمتها تتزايد مقارنة بالدولار مع استمرار ضعف الدولار.

هذه الحلقة، كما يصفها عموس، ليست مجرد نظرية اقتصادية معقدة، بل هي ديناميكية عملية وقوية تعمل بالفعل وتشكل “تأثيراً كبيراً وملموساً على السوق”. إنها تخلق دورة ذاتية التعزيز لا تتوقف فيها قوة كل مكون من المكونات (الطلب على USDT، استراتيجية تثر في بناء الاحتياطيات، سعر البيتكوين، ضعف الدولار) على دفع المكونات الأخرى نحو نفس الاتجاه: الصعود المستمر والمتسارع لقيمة البيتكوين المقومة بالدولار، والتراجع المستمر لقيمة الدولار المقومة بالبيتكوين أو الأصول الحقيقية. يرى عموس أن هذه الحلقة تعمل بالفعل في الوقت الحالي وتتسارع بمرور الوقت مع تزايد الوعي بضعف الدولار وتزايد تبني البيتكوين. هذا يجعل التنبؤ بصعود البيتكوين مقابل الدولار ليس مجرد أمنية للمتحمسين، بل هو نتيجة شبه حتمية للديناميكيات الاقتصادية والسوقية الحالية التي لا يمكن إيقافها بسهولة.

البيتكوين: التحوط المنطقي والوحيد في عصر نهاية الدولار

بناءً على هذا التحليل الشامل والمعقد لديناميكيات العملات الورقية، وخاصة الدولار، ودور العملات المستقرة مثل تثر، وعلاقة كل ذلك بالبيتكوين، يصل سيف الدين عموس إلى استنتاجه المنطقي والأساسي الذي يمثل جوهر رسالته للجمهور والمستثمرين على حد سواء: “شراء البيتكوين هو أذكى شيء يمكن لأي شخص فعله في الوقت الحالي.” في عالم تتآكل فيه قيمة العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية (الدولار الأمريكي) بشكل مستمر ومنهجي بسبب السياسات النقدية التضخمية، مستويات الديون غير المسبوقة، والضغوط الاقتصادية الهيكلية التي تحدث عنها، لم يعد الاحتفاظ بالدولار نفسه أو حتى الأصول المقومة بالدولار (مثل السندات الحكومية التقليدية أو الودائع البنكية) يمثل استراتيجية آمنة وفعالة للحفاظ على الثروة على المدى الطويل. بل على العكس، يمثل الاحتفاظ بالدولار في هذا السياق مخاطرة كبيرة بفقدان القوة الشرائية.

في المقابل، يقدم البيتكوين مجموعة فريدة وغير مسبوقة من الخصائص الجوهرية التي تجعله الأصل المثالي، بل والوحيد المنطقي، للتحوط (hedge) ضد تدهور قيمة العملات الورقية والتضخم المتزايد في هذا السياق الاقتصادي العالمي المتغير بسرعة نحو نظام نقدي جديد:

  • الندرة المطلقة وغير القابلة للتغيير: أحد أقوى وأهم نقاط قوة البيتكوين هو معروضه الأقصى المحدد سلفاً بدقة بـ 21 مليون وحدة فقط. هذا الحد الأقصى مبرمج بشكل صارم في بروتوكول البيتكوين الأساسي ولا يمكن لأي فرد أو جهة مركزية أو حكومة أو بنك مركزي تغييره أو التلاعب به، بغض النظر عن الضغوط السياسية أو الاقتصادية الملحة. هذه الندرة المطلقة هي الأساس الذي يمنح البيتكوين قيمته كمخزن للقيمة ومضاد للتضخم. هذا يتناقض بشكل صارخ مع القدرة غير المحدودة تقريباً للبنوك المركزية والحكومات على طباعة المزيد من النقود الورقية، مما يجعل البيتكوين بطبيعته أصلاً انكماشياً أو على الأقل مقاوماً بشكل استثنائي للتضخم النقدي الناتج عن زيادة المعروض.
  • الة الكاملة والمقاومة للسيطرة: شبكة البيتكوين تعمل بشكل لامركزي تماماً عبر آلاف العقد الموزعة حول العالم. هذا يعني أنها لا تخضع لسيطرة أي حكومة، بنك مركزي، مؤسسة مالية تقليدية، أو فرد واحد. هذه اللامركزية تجعل البيتكوين محصناً بشكل كبير ضد المصادرة القسرية من قبل السلطات الحكومية، تجميد الأموال بناءً على قرارات سياسية، أو فرض قيود على المعاملات بناءً على الجنسية أو الموقع الجغرافي أو لأي سبب آخر. الملكية في نظام البيتكوين هي ملكية حقيقية تعتمد على امتلاك المفاتيح الخاصة التي تتحكم في الوصول إلى العملات، وليس مجرد رقم في حساب بنكي يمكن لأي طرف ثالث تجميده أو مصادرته بأمر قضائي أو تنفيذي.
  • المقاومة للرقابة العالمية: يمكن إرسال واستقبال البيتكوين عبر الحدود الدولية وفي أي وقت ودون الحاجة إلى وسطاء تقليديين مثل البنوك أو شركات تحويل الأموال. هذا يجعل البيتكوين أصلاً عالمياً حقيقياً ومقاوماً للقيود الرأسمالية التقليدية أو ضوابط رأس المال التي قد تفرضها الحكومات لحماية عملاتها الورقية المتدهورة. هذه الخاصية تجعل البيتكوين أداة قوية للأفراد والشركات في جميع أنحاء العالم للحفاظ على حريتهم المالية والتحرك بثروتهم بحرية نسبية خارج نطاق الأنظمة المالية التقليدية التي تزداد تقييداً وتعقيداً.
  • الشفافية المطلقة والثبات الموثوق: جميع معاملات البيتكوين مسجلة بشكل دائم وشفاف على سجل الكتل العام (البلوك تشين)، والذي يمكن لأي شخص في العالم التحقق منه. بروتوكول البيتكوين الأساسي ثابت ويتغير ببطء شديد فقط عبر آلية توافق مجتمعية تتطلب إجماعاً واسعاً. هذا يوفر مستوى عالياً وغير مسبوق من اليقين والثقة في طريقة عمل النظام النقدي للبيتكوين وقواعده، على عكس الأنظمة النقدية الورقية التي يمكن أن تتغير قواعدها وسياساتها بشكل مفاجئ وغير متوقع بقرارات سريعة من البنوك المركزية أو الحكومات، وغالباً ما تكون هذه التغييرات لصالح الحكومة وليس لصالح حامل العملة.
  • تقنية “الرقم يرتفع” (Number Go Up Technology – NGU): يشير عموس، بأسلوبه المرح والعملي والمباشر، إلى أن جوهر جاذبية البيتكوين، خاصة في بيئة تتسم بالتضخم المتزايد وتدهور قيمة العملات الورقية، هو هذه “التقنية” البديهية التي يصفها بـ “الرقم يرتفع”. ببساطة، مع زيادة الطلب العالمي على هذا الأصل النادر والآمن والمقاوم للمصادرة، وثبات أو تناقص معدل الإصدار الجديد بمرور الوقت (بسبب أحداث التنصيف الدورية التي تقلل مكافأة إلى النصف كل أربع سنوات تقريباً)، يميل سعر البيتكوين، المقوم بالعملات الورقية المتدهورة، إلى الارتفاع بشكل مستمر ومستدام على المدى الطويل. هذا يتناقض بشكل صارخ ومباشر مع العملات الورقية التي تميل قيمتها الحقيقية المقومة بالأصول النادرة (مثل السلع، العقارات، أو حتى البيتكوين نفسه) إلى الانخفاض بمرور الوقت بسبب التضخم النقدي الناتج عن زيادة المعروض.

كل هذه الخصائص مجتمعة تجعل البيتكوين، في رؤية سيف الدين عموس، ليس مجرد أصل استثماري محفوف بالمخاطر أو فقاعة محتملة، بل هو الأصل الوحيد الذي يتمتع بالبنية التحتية الاقتصادية والتقنية اللازمة للحفاظ على القوة الشرائية، بل وزيادتها بشكل كبير، في عصر يتجه فيه نظام العملات الورقية العالمي نحو نهاية محتملة أو على الأقل تهميش كبير لدوره. هو يمثل خروجاً جذرياً وضرورياً من نظام نقدي عالمي قائم على الديون المتزايدة، الطباعة اللانهائية للنقود، والسيطرة السياسية على المال، إلى نظام نقدي جديد وعادل قائم على الندرة الحقيقية، الحقيقة الرياضية الثابتة، والمقاومة المطلقة للسيطرة السياسية أو التلاعب الاقتصادي من قبل أي جهة مركزية.

نهاية اللعبة للدولار وظهور معيار البيتكوين الجديد

في الجزء الختامي من حديثه المثير للتفكير في مؤتمر Bitcoin 2025، قدم سيف الدين عموس تنبؤه الكاسح والأكثر جرأة حول ما أسماه صراحة “نهاية لعبة الدولار” (The Endgame for the Dollar). يرى عموس أن المسار الحالي الذي يجمع بين التدهور الهيكلي المستمر للدولار الأمريكي والصعود القوي والمدعوم بالأسس الجوهرية للبيتكوين يؤدي حتماً إلى سيناريو يصبح فيه الدولار مهمشاً بشكل متزايد كأصل احتياطي عالمي رئيسي ومخزن للقيمة. يتوقع عموس أننا سنتجه عاجلاً أم آجلاً نحو نقطة يصبح فيها “احتياطيات الدولار صفراً بجوار احتياطيات البيتكوين” ليس فقط بالنسبة لكيانات كبيرة في عالم العملات الرقمية مثل تثر التي تعتمد بشكل متزايد على البيتكوين في ميزانيتها العمومية كأصل أساسي، بل أيضاً بالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية الأخرى، وشركات القطاع الخاص، وحتى البنوك المركزية على المدى الطويل، التي قد تبدأ بشكل متزايد في تجميع البيتكوين كأصل احتياطي موثوق به ومقاوم للتضخم وبعيد عن تقلبات وعدم استقرار العملات الورقية الأخرى المتزايدة.

مع استمرار هذا التوجه الجوهري حيث يضعف الدولار الأمريكي بشكل منهجي وتستمر قيمة البيتكوين في الارتفاع المدعوم بالندرة والطلب المتزايد، ستستمر قيمة وحدات USDT (وتثر هنا مجرد مثال بارز يوضح الديناميكية) في “إعادة التقييم صعوداً” (getting revalued upward) ليس فقط مقابل الدولار نفسه كعملة مرجعية، بل بشكل يتزايد حتى يصبح بالإمكان، في النهاية، استبدال وحدات USDT مباشرة بوحدات من البيتكوين نفسه، بدلاً من استبدالها بالدولار الأمريكي. يختصر عموس هذا التحول الكبير والمفصلي في النظام النقدي العالمي بالمعادلة البسيطة والقوية التالية: USDT → BTCT. بمعنى آخر، يتحول دور تثر من كونه مجرد بديل رقمي للدولار الأمريكي يهدف إلى محاكاة استقراره الاسمي، إلى كونه بديلاً رقمياً للبيتكوين نفسه يهدف إلى محاكاة استقراره كأصل حفظ قيمة مطلق. في هذا السيناريو النهائي، لا يعود تثر عملة مستقرة مرتبطة بالدولار وتسعى للحفاظ على سعر صرف ثابت مقابله، بل يصبح عملة مستقرة مرتبطة بالبيتكوين وتسعى للحفاظ على قيمتها بالنسبة لأصل الندرة المطلقة الجديد. يصف عموس تثر في هذا السيناريو بأنه “نظام نقدي انتقالي” (transition monetary system)، بمثابة جسر رئيسي يربط بين عالم العملات الورقية القديم الذي يحتضر وعالم معيار البيتكوين الجديد الذي يولد ويترسخ كمعيار للقيمة والمدخرات. هو يسهل عملية الانتقال للأفراد والمؤسسات للدخول إلى عالم البيتكوين والاستفادة من خصائصه النقدية السليمة دون الحاجة للتعامل مباشرة مع تقلباته السعرية الكبيرة في المراحل الأولى من التبني، مع الاستفادة في الوقت نفسه من الصعود النسبي لقيمته مقارنة بالدولار المتدهور.

ويؤكد عموس أن هذه الديناميكية القوية والتأثير المتزايد للبيتكوين على النظام المالي العالمي تعني أنه “حتى السيناريو الأكثر تفاؤلاً لمستقبل الدولار الأمريكي هو أكثر تفاؤلاً بكثير بالنسبة للبيتكوين”. هذا يعني أنه حتى لو تمكن الدولار، ضد كل التوقعات، من تجنب الانهيار الكامل وحقق نوعاً من الاستقرار النسبي أو حتى تعافياً طفيفاً بفضل بعض الإصلاحات الاقتصادية أو السياسات النقدية الصارمة (وهو ما يراه عموس غير مرجح على المدى الطويل نظراً للمشاكل الهيكلية العميقة والمتأصلة في نظام العملة الورقية القائمة على الدين)، فإن قوة دفع البيتكوين وديناميكيته الصعودية المدفوعة بالندرة، التبني المتزايد، وحلقة التعزيز الذاتي التي وصفها، تتجاوز بكثير أي مكاسب محتملة أو استقرار قد يشهده الدولار. بعبارة أخرى، العائد المحتمل والموثوق به على المدى الطويل من الاحتفاظ بالبيتكوين كأصل تتزايد قيمته الحقيقية يفوق بشكل كبير العائد المتوقع من الاحتفاظ بالدولار الذي تتآكل قيمته بشكل منهجي بسبب التضخم والسياسات المالية غير المستدامة.

خلاصة الرسالة: القطار لا يتوقف

خلاصة حجة سيف الدين عموس، التي قدمها بثقة ودعمها بالتحليلات الاقتصادية العميقة والفهم التاريخي الطويل للأنظمة النقدية، واضحة ومباشرة: النظام النقدي العالمي القائم حالياً على الدولار الأمريكي كنقطة ارتكاز، محبوس في حلقة مفرغة من التدهور المستمر وفقدان القيمة بسبب طبيعته الورقية غير المدعومة وقابليته للتلاعب السياسي والاقتصادي لتحقيق أهداف قصيرة المدى على حساب الاستقرار النقدي طويل الأجل. في المقابل، يقدم البيتكوين، بفضل ندرته المطلقة، لامركزيته الكاملة، ومقاومته للرقابة والتلاعب، بديلاً نقديًا سليماً يتمتع بخصائص نقدية متفوقة ويمثل مخزناً حقيقياً وموثوقاً للقيمة في القرن الحادي والعشرين وما بعده.

بأسلوبه المميز الذي يجمع بين العمق الأكاديمي والبساطة المباشرة، لخص عموس حجته بأكملها في جملة واحدة قوية ومؤثرة ترسخ في الأذهان: “الشيء الذي يرتفع سيتجاوز الشيء الذي ينزل”. هذه الجملة القوية تلتقط جوهر الموقف الذي يطرحه عموس وتجسد الديناميكية التي يراها تتحقق في السوق العالمية حالياً. إنها تعني بوضوح أن استثمار الوقت والطاقة والمدخرات في شيء تتآكل قيمته بشكل منهجي على المدى الطويل بسبب عيوبه الهيكلية (مثل الدولار الأمريكي والعديد من الأصول التقليدية المقومة به) هو استراتيجية خاسرة لا محالة ورهان على مسار لا يمكن الحفاظ عليه. في المقابل، فإن الاحتفاظ بأصل يتمتع بخصائص نقدية سليمة وتزداد قيمته الحقيقية بمرور الوقت نتيجة للديناميكيات الاقتصادية التي تحركه (مثل الندرة، زيادة الطلب، والتأثيرات الشبكية) هو المسار الوحيد المنطقي والموثوق به نحو الحفاظ على الثروة وتنميتها في ظل النظام النقدي العالمي المتغير الذي نعيشه والذي يتجه، في رؤية عموس، نحو نهاية محتملة لعصر الدولار كعملة احتياطية عالمية مهيمنة وظهور معيار نقدي جديد.

رسالة سيف الدين عموس من منصة مؤتمر Bitcoin 2025 ليست مجرد تحليل اقتصادي نظري أو تنبؤ أكاديمي، بل هي دعوة ملحة وعملية للأفراد والمؤسسات على حد سواء لإعادة تقييم استراتيجياتهم المالية والنقدية والنظر بجدية في التحوط ضد ضعف العملات الورقية باستخدام أصل الندرة المطلقة. لا يرى عموس قوة قادرة على إيقاف هذا “قطار” – قطار صعود البيتكوين وهبوط الدولار – مما يجعل رسالته أكثر من مجرد تنبؤ، بل هي تحذير وفرصة للتفكير الجدي والتصرف بحكمة قبل فوات الأوان في سباق الزمن ضد التضخم وتآكل القيمة الذي تفرضه الأنظمة النقدية الورقية المعاصرة. البيتكوين، في نظره وفي ضوء تحليله، ليس مجرد أصل رقمي جديد ومثير للمضاربة، بل هو المستقبل الحتمي للمال السليم في عالم يلفظ فيه النظام النقدي القديم أنفاسه الأخيرة ويسعى نحو معيار جديد للقيمة.

“`

مواضيع مشابهة