إنها فرصة الأجيال: تحول هيئة الأوراق المالية والبورصات نحو الكريبتو قد يدفع إيثيريوم والتمويل اللامركزي إلى آفاق جديدة
خارطة الطريق التي قدمها بول أتكينز للبلوكتشين العامة يمكن أن تفتح تريليونات الدولارات، وقد أشار هوغان إلى أنه يرى إمكانات هائلة في التمويل اللامركزي (DeFi) ومشاريع ترميز الأصول.
يشهد المشهد التنظيمي للعملات الرقمية في الولايات المتحدة تحولاً ملحوظاً، حيث قد تكون هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على وشك دخول مرحلة جديدة في مقاربتها للأصول الرقمية. هذا التحول، الذي قد يكون قد مر دون أن يلاحظه السوق إلى حد كبير، يمثل نقطة انعطاف محتملة ذات آثار عميقة على مستقبل قطاع العملات المشفرة، ويمكن أن يعيد تشكيل مساره بالكامل.
هل السوق غافل عن تحول هيئة الأوراق المالية والبورصات؟
وفقاً لمات هوغان، كبير مسؤولي الاستثمار في Bitwise Asset Management، فإن هذا التحول الكبير لم يتم استيعابه بشكل كامل من قبل المستثمرين أو تسعيره في السوق بعد. في مذكرة حديثة للمستثمرين، لفت هوغان الانتباه إلى الخطاب المحوري الذي ألقاه بول أتكينز، الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية والبورصات وعضو مجلس الإدارة الحالي في America First Policy Institute، والذي كان بعنوان “القيادة الأمريكية في ثورة التمويل الرقمي”. وصف هوغان هذه الوثيقة بأنها “الوثيقة الحكومية الأكثر تفاؤلاً التي قرأتها في مسيرتي المهنية بأكملها في مجال العملات المشفرة”، وهو تصريح يعكس مدى أهمية المحتوى الذي قدمه أتكينز.
يُعد خطاب أتكينز، الذي يشير إليه هوغان باسم “مشروع العملات المشفرة” (Project Crypto)، بمثابة أجندة شاملة تهدف إلى تحديث تنظيم الأصول الرقمية بطريقة لا تقمع الابتكار، بل تعززه وتفتح آفاقاً جديدة له. تهدف هذه الأجندة إلى وضع الولايات المتحدة في موقع الريادة في الاقتصاد العالمي للعملات المشفرة، من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة ومواتية للنمو. إنه ليس مجرد تعديل بسيط للسياسات القائمة، بل هو رؤية استراتيجية طموحة تهدف إلى دمج الأصول الرقمية بشكل منهجي في النظام المالي التقليدي، مع التركيز على النمو والتطوير بدلاً من القمع والتضييق الذي طالما اتسمت به العلاقة بين الهيئات التنظيمية وصناعة الكريبتو.
على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه الرؤية وما تحمله من إمكانات هائلة، يعتقد هوغان أن السوق الأوسع لم يستجب بعد لها بالشكل المتوقع، ولم يقم بتسعير هذه التحولات المحتملة. وقد أوضح أن المستثمرين يقللون من شأن الكيفية التي يمكن أن تحفز بها موقف هيئة الأوراق المالية والبورصات الأكثر ودية تحولاً هيكلياً جذرياً عبر قطاعات متعددة من العملات المشفرة. هذا التحول ليس مجرد تغيير في قواعد اللعبة، بل هو إعادة تعريف لطبيعة العلاقة بين التنظيم والابتكار في هذا المجال الديناميكي، مما يفتح الباب أمام تدفق رؤوس أموال ضخمة قد تكون قد تجنبت السوق في الماضي بسبب عدم اليقين التنظيمي.
يعبر هوغان عن دهشته حتى من رد فعله الشخصي تجاه الخطاب، قائلاً: “لقد درست وكتبت عن العملات المشفرة بلا توقف على مدار السنوات الثماني الماضية. لطالما كنت متفائلاً بمستقبل العملات المشفرة، وقلت إن جميع الأصول ستنتقل في النهاية إلى شبكات تعتمد على البلوكتشين. لكن بعد قراءة الخطاب، أدركت أنه يجب عليّ التفكير بشكل أكبر – والانتقال إلى جدول زمني أسرع. إذا لم يتم تسعيره بالنسبة لي، فأنا سأخمن أنه لم يتم تسعيره بالنسبة للآخرين.” هذا الاعتراف من خبير مخضرم في الصناعة يسلط الضوء على عمق التحول المحتمل ويدعو إلى إعادة تقييم جدية للمسار المستقبلي لسوق العملات المشفرة، مما يشير إلى أن الفرصة قد تكون أكبر وأقرب مما يتوقع الكثيرون.
القطاعات المستفيدة من رؤية أتكينز
بناءً على محتوى الخطاب وتحليله الدقيق، حدد هوغان ثلاثة محاور رئيسية مهيأة للاستفادة بشكل كبير وغير مسبوق من هذا التحول التنظيمي المحتمل. هذه القطاعات تمثل ركائز أساسية لنمو الاقتصاد الرقمي ويمكن أن تشهد طفرة غير مسبوقة في حال تبنت هيئة الأوراق المالية والبورصات موقفاً أكثر انفتاحاً ودعماً للابتكار:
- منصات العقود الذكية للطبقة الأولى (Layer 1): مثل إيثيريوم (Ethereum) وسولانا (Solana) وغيرها من البلوكتشين الأساسية. هذه المنصات تشكل البنية التحتية الأساسية لمعظم التطبيقات اللامركزية (dApps) ونظام التمويل اللامركزي (DeFi) بأكمله. سيؤدي وضوح التنظيم إلى جذب المزيد من المطورين والمشاريع الرائدة، مما يزيد من استخدام شبكاتهم وقيمتها الإجمالية. إن البيئة التنظيمية المواتية ستقلل بشكل كبير من المخاطر القانونية المرتبطة بالابتكار والتطوير على هذه الشبكات، مما يفتح الباب أمام تدفق رؤوس أموال ضخمة وتوسع غير مسبوق في حالات الاستخدام، من تطبيقات الألعاب إلى سلاسل التوريد والخدمات المالية.
- منصات التداول العامة والوساطة: مثل كوين بيس (Coinbase) وروبن هود (Robinhood). تستفيد هذه المنصات بشكل مباشر وواسع النطاق من زيادة الثقة في السوق ووضوح القواعد التنظيمية. مع تراجع حالة عدم اليقين التنظيمي التي طالما أثرت سلباً على الصناعة، من المرجح أن ينخرط المزيد من المستثمرين المؤسسيين والأفراد في سوق العملات المشفرة، مما يؤدي إلى زيادة هائلة في أحجام التداول والإيرادات لهذه المنصات. كما أن تسهيل عمليات الإدراج للأصول الجديدة والتداول للعملات القائمة سيجذب مجموعة أوسع من الأصول الرقمية، مما يعزز السيولة والتنوع في السوق.
- بروتوكولات التمويل اللامركزي (DeFi): بما في ذلك يوني سواب (Uniswap) وآفي (Aave) و Curve Finance. هذه البروتوكولات هي جوهر الابتكار في الخدمات المالية اللامركزية، وتقدم بدائل شفافة ومفتوحة للخدمات المصرفية التقليدية، مثل الإقراض والاقتراض وتبادل الأصول بدون وسطاء. سيؤدي الاعتراف التنظيمي أو على الأقل تخفيف الضغط والرقابة المفروضة إلى إزالة عقبات كبيرة أمام تبنيها على نطاق واسع من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسسات، مما يسمح لها بالنمو وتوسيع نطاق خدماتها دون خشية من الإجراءات التنظيمية المفاجئة أو الحظر. هذا يعني المزيد من السيولة والمشاركة وزيادة كبيرة في إجمالي القيمة المقفلة (TVL) داخل هذه البروتوكولات، مما يعزز استقرارها وقدرتها على التوسع.
حذر هوغان من أن فشل السوق في إدراك نقطة الانعطاف التنظيمية هذه قد يمثل فرصة ضائعة ذات حجم هائل. وأشار التنفيذي أيضاً إلى أن مثل هذه التحركات التنظيمية الإيجابية قد أسفرت تاريخياً عن مكاسب هائلة وغير متناسبة عبر القطاعات عالية المخاطر (high-beta sectors) في الأسواق المالية. هذا يعني أن أولئك الذين يدركون التغيير مبكراً ويستعدون له قد يحققون عوائد استثنائية تفوق بكثير متوسط السوق، بينما قد يتخلف الآخرون عن ركب هذا النمو السريع والمستدام.
وبينما يظل الشك قائماً وبشكل طبيعي بسبب الموقف العدائي الطويل الأمد لهيئة الأوراق المالية والبورصات تجاه صناعة العملات المشفرة، فإن تفسير هوغان لملاحظات أتكينز يشير إلى أن إعادة تقييم جدية واستراتيجية جارية بالفعل داخل أروقة الهيئة. إنها ليست مجرد كلمات عابرة أو تصريحات دبلوماسية، بل هي مؤشرات على تفكير عميق ومدروس داخل هيئة الأوراق المالية والبورصات قد يغير مسار الصناعة بأكملها ويفتح عهداً جديداً من التعاون بدلاً من المواجهة.
دعوات لحماية الخصوصية ودمج التمويل اللامركزي
إضافة إلى هذا السرد التنظيمي المتفائل القادم من خطاب أتكينز، جاء خطاب جدير بالملاحظة من مسؤول آخر رفيع المستوى في هيئة الأوراق المالية والبورصات، مما يعزز فكرة وجود حوار داخلي نشط ومراجعة شاملة حول كيفية التعامل مع الأصول الرقمية. في وقت سابق من هذا الأسبوع، دعت مفوضة هيئة الأوراق المالية والبورصات، هيستر بيرس، والمعروفة على نطاق واسع بلقب “أم العملات المشفرة” (Crypto Mom) نظراً لموقفها الداعم للصناعة، إلى حماية أقوى للخصوصية المالية وحقوق مستخدمي العملات المشفرة خلال خطابها في مؤتمر “علوم البلوكتشين” (Science of Blockchain Conference).
انتقدت بيرس بشكل صريح ممارسات المراقبة الواسعة النطاق في النظام المالي للبلاد، مجادلة بأن قانون السرية المصرفية (Bank Secrecy Act) وأدوات مثل نظام المراجعة الموحد (Consolidated Audit Trail – CAT) الخاص بهيئة الأوراق المالية والبورصات، تُعرّض حرية الأفراد والخصوصية المالية للخطر بشكل كبير. تعتبر هذه الأدوات مصممة لزيادة الشفافية والحد من الأنشطة غير القانونية، لكن بيرس ترى أنها تذهب بعيداً جداً في التدخل في الخصوصية المالية للمواطنين، مما يقوض أحد المبادئ الأساسية للحرية الشخصية والحق في الخصوصية المالية.
كما سلطت بيرس الضوء على الفوائد الجوهرية للتمويل اللامركزي (DeFi) والتقنيات المتقدمة التي تحافظ على الخصوصية مثل براهين المعرفة الصفرية (zero-knowledge proofs). هذه التقنيات تمكّن المستخدمين من إثبات صحة معلومة دون الكشف عن المعلومة نفسها، مما يوفر مستوى عالٍ من الخصوصية في المعاملات المالية دون التضحية بالشفافية أو الأمان. إن دعم بيرس الصريح لهذه التقنيات يمثل اعترافاً مهماً من داخل الهيئة بقدرتها على تقديم حلول مبتكرة وآمنة للمستقبل المالي، والتي يمكن أن تتجاوز حتى الحلول التقليدية في بعض الجوانب.
وحثت بيرس المنظمين بشكل قاطع على عدم تجريم المطورين مفتوحي المصدر أو فرض متطلبات الإبلاغ المرهقة عن المعاملات الفردية بين الأقران (peer-to-peer) في العملات المشفرة. هذه الدعوة مهمة للغاية، حيث أن العديد من المطورين يساهمون بشكل تطوعي في بناء البنية التحتية لقطاع العملات المشفرة دون أن يكونوا جزءاً من كيانات مركزية أو شركات. إن تجريمهم أو تحميلهم مسؤوليات تنظيمية مرهقة قد يخنق الابتكار ويقوض طبيعة اللامركزية التي تقوم عليها هذه التقنيات، ويجبر المواهب على البحث عن بيئات أكثر ترحيباً خارج الولايات المتحدة.
إن الجمع بين خطاب أتكينز ورؤيته لمستقبل يشجع الابتكار ويضع الولايات المتحدة في المقدمة، وخطاب بيرس الذي يدافع عن الخصوصية وحقوق المستخدمين، يرسم صورة لمشهد تنظيمي يمر بتحول عميق ومعقد. هذه التصريحات من كبار المسؤولين في هيئة الأوراق المالية والبورصات، التي كانت تعتبر في السابق العدو اللدود للعملات المشفرة، تشير إلى وعي متزايد بالإمكانات الهائلة للأصول الرقمية والحاجة الملحة إلى إطار تنظيمي يتسم بالمرونة والتطلع إلى الأمام، بدلاً من التمسك بالنهج القديم الذي قد يعيق التقدم.
فرصة لا تقدر بثمن لقطاع العملات الرقمية
إن التغير في خطاب وموقف هيئة الأوراق المالية والبورصات، حتى لو لم يتم تسعيره بالكامل من قبل السوق بعد، يمثل فرصة تاريخية لا تقدر بثمن. فالأمر لا يتعلق فقط بتجنب العقوبات والملاحقات القضائية، بل يتعلق بفتح الأبواب أمام رؤوس أموال ضخمة لم تكن تجرؤ على دخول السوق بسبب عدم اليقين التنظيمي، وتطوير ابتكارات لم تكن ممكنة في ظل البيئة التنظيمية السابقة المليئة بالقيود. إذا تم تنفيذ رؤية “مشروع العملات المشفرة” بنجاح، فقد نرى طفرة غير مسبوقة في تبني البلوكتشين والأصول الرقمية على مستوى المؤسسات والأفراد، مما يدفع الصناعة إلى تيارها الرئيسي.
إن المستثمرين والشركات الذين يدركون أبعاد هذا التحول مبكراً ويستعدون له بشكل استباقي سيكونون في وضع أفضل للاستفادة من الفرص الهائلة التي ستنشأ. إنها دعوة صريحة للتفكير بشكل أوسع وأسرع، وتجاوز التحيزات القديمة حول هيئة الأوراق المالية والبورصات، والنظر إلى المستقبل بإيجابية حذرة ولكن واثقة. يمكن أن يكون هذا التحول هو الشرارة التي تدفع إيثيريوم والتمويل اللامركزي، بالإضافة إلى قطاعات أخرى في العملات المشفرة، إلى مستويات جديدة وغير مسبوقة من النمو والاعتماد العالمي، وتحقيق رؤية أن تصبح الأصول الرقمية جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الاقتصادية العالمية.