ستاندرد تشارترد: البيتكوين قد يتجاوز هدف 120 ألف دولار للربع الثاني وسط ازدهار الاستثمارات المؤسسية والسيادية
يشهد عالم العملات المشفرة تطورات متسارعة، وفي أحدث هذه التطورات، أشار جيفري كيندريك، رئيس أبحاث الأصول الرقمية في بنك ستاندرد تشارترد، إلى أن عملة البيتكوين (BTC) تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مستويات قياسية جديدة، وربما أسرع مما كان متوقعًا في السابق. يعود هذا التفاؤل المتزايد إلى التدفقات الاستثمارية المؤسسية المتصاعدة والتحول العالمي الملحوظ في استراتيجيات تخصيص الأصول، حيث بدأت المؤسسات الكبرى والدول ذاتها تنظر إلى البيتكوين كجزء لا يتجزأ من مستقبلها المالي.
توقعات متفائلة من ستاندرد تشارترد: هل 120 ألف دولار مجرد بداية؟
في مذكرة موجهة للمستثمرين بتاريخ 8 مايو، والتي تمت مشاركتها مع “كريبتو سليت”، كشف كيندريك أنه كان قد وضع في البداية هدفًا سعريًا للبيتكوين عند 120,000 دولار أمريكي للربع الثاني من العام. لكن، ومع التطورات الأخيرة والزخم القوي الذي يشهده السوق، أعرب كيندريك عن اعتقاده بأن هذا الرقم قد يكون أقل من الواقع الفعلي الذي يمكن أن تصل إليه العملة المشفرة الرائدة. لقد أصبحت المؤشرات الحالية تشير إلى قوة دفع أكبر بكثير مما كان متصورًا في التحليلات الأولية.
وكتب كيندريك معبرًا عن هذا التحول في نظرته: “أعتذر لأن هدفي البالغ 120 ألف دولار أمريكي للربع الثاني قد يكون منخفضًا للغاية.” هذا التصريح، القادم من شخصية بارزة في مجال أبحاث الأصول الرقمية لدى مؤسسة مالية عالمية، يحمل في طياته دلالات عميقة حول الثقة المتزايدة في أداء البيتكوين المستقبلي.
وفقًا لبيانات “كريبتو سليت” في وقت صدور التقرير، كان سعر البيتكوين يتداول عند 101,751 دولارًا، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 5.66% خلال الـ 24 ساعة الماضية. هذا السعر، بحد ذاته، يشير إلى اقتراب البيتكوين من الأهداف الطموحة التي تم تحديدها سابقًا، ويدعم وجهة نظر كيندريك بأن الزخم الحالي قد يدفع بالأسعار إلى ما هو أبعد من ذلك.
تحول في السردية: البيتكوين من أصل مخاطرة إلى أصل احتياطي استراتيجي
أوضح كيندريك أن السردية المحيطة بالبيتكوين قد شهدت تحولًا جذريًا في الأشهر الأخيرة. فالعملة المشفرة الرائدة، التي كان يُنظر إليها في الغالب كأصل محفوف بالمخاطر ومناسب للمضاربات قصيرة الأجل، أصبحت تُعتبر بشكل متزايد كأصل احتياطي استراتيجي. هذا التغيير في التصور يعكس نضوج السوق وفهمًا أعمق لإمكانيات البيتكوين كأداة للتحوط وحفظ القيمة على المدى الطويل.
وجادل كيندريك بأن البيتكوين قد تطور ليصبح وسيلة لإعادة تخصيص رأس المال بعيدًا عن الأسهم الأمريكية التقليدية والتوجه نحو مخازن قيمة بديلة. لم يعد الارتفاع الحالي مدفوعًا بالمضاربة البحتة، كما كان الحال في بعض الدورات السابقة، بل أصبح مدفوعًا بشكل أساسي بالتدفقات النقدية الحقيقية، خاصة تلك القادمة من صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) والمشترين المؤسسيين ذوي النظرة طويلة الأجل. هؤلاء المستثمرون لا يبحثون عن ربح سريع، بل يسعون إلى تنويع محافظهم الاستثمارية والتحوط ضد التقلبات الاقتصادية العالمية.
دور صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) في تعزيز الطلب
لعب إطلاق صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين الفورية في الولايات المتحدة دورًا محوريًا في هذا التحول. أشار كيندريك إلى أن هذه الصناديق المدرجة في الولايات المتحدة قد استقطبت تدفقات ضخمة بلغت 5.3 مليار دولار أمريكي في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها. وبعد تعديل هذه الأرقام لتأخذ في الاعتبار تداولات الأساس ومراكز التحوط القصيرة، يُقدر صافي التدفقات بأكثر من 4 مليارات دولار. هذا الرقم الضخم يعكس شهية غير مسبوقة من قبل المؤسسات للاستثمار في البيتكوين بطريقة منظمة ومتاحة.
وأضاف كيندريك أن هذه التدفقات تمثل زيادة كبيرة في الطلب يمكن أن تدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع في الأسابيع المقبلة. إن سهولة الوصول إلى البيتكوين من خلال صناديق الاستثمار المتداولة قد فتحت الباب أمام شريحة أوسع من المستثمرين المؤسسيين الذين كانوا مترددين في السابق في الدخول إلى هذا السوق مباشرة بسبب التعقيدات التنظيمية أو التشغيلية.
الشركات الكبرى تعزز مقتنياتها من البيتكوين: مثال مايكروستراتيجي
لم يقتصر الاهتمام بالبيتكوين على المستثمرين الأفراد أو حتى صناديق الاستثمار التقليدية فحسب، بل امتد ليشمل الشركات الكبرى والجهات الفاعلة السيادية. سلط كيندريك الضوء على التأثير المتزايد لهذه الجهات في أداء البيتكوين الأخير. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة “مايكروستراتيجي” (MicroStrategy)، التي زادت بشكل كبير من مقتنياتها من البيتكوين لتصل إلى 555,450 بيتكوين. هذا الرقم يمثل ما يقرب من 2.6% من إجمالي المعروض من البيتكوين الذي سيتم تعدينه على الإطلاق، وهو ما يجعل مايكروستراتيجي واحدة من أكبر حاملي البيتكوين من بين الشركات المدرجة.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث تخطط الشركة لجمع 84 مليار دولار إضافية لتمويل المزيد من مشتريات البيتكوين. إذا ما تمكنت الشركة من تنفيذ هذه الخطة الطموحة، فإن حصتها الإجمالية قد تتجاوز 6% من إجمالي معروض البيتكوين. هذه الاستراتيجية الجريئة من قبل شركة عامة لا تعكس فقط إيمانًا قويًا بمستقبل البيتكوين، بل تشكل أيضًا سابقة قد تشجع شركات أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، مما يزيد من الطلب المؤسسي على العملة المشفرة.
التبني السيادي والحكومي للبيتكوين: موجة جديدة قادمة
بالتوازي مع الاهتمام المؤسسي والشركاتي، بدأت صناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية في بعض الدول تحذو حذو المستثمرين الكبار. استشهد كيندريك بموقف أبوظبي، التي امتلكت ما يعادل 4,700 بيتكوين من خلال صندوق IBIT (صندوق بلاك روك للبيتكوين المتداول في البورصة) حتى أواخر ديسمبر. وأشار إلى أنه من المرجح أن يكون مشترون آخرون طويلي الأجل قد انضموا إلى السوق منذ ذلك الحين، مما يشير إلى بداية توجه نحو تبني البيتكوين على المستوى السيادي.
كما سلط الضوء على النشاط الأخير من قبل البنك الوطني السويسري وبنك النرويج (Norges Bank)، اللذين اتخذا كلاهما مراكز في أسهم شركة “مايكروستراتيجي” (MSTR). على الرغم من أن هذا لا يمثل استثمارًا مباشرًا في البيتكوين، إلا أنه يعكس اهتمامًا متزايدًا بالأصول المرتبطة بالعملات المشفرة من قبل مؤسسات مالية سيادية ذات وزن كبير، وقد يكون مقدمة لخطوات أكثر جرأة في المستقبل.
هذا التحول نحو التبني السيادي يحمل في طياته إمكانات هائلة لتغيير مشهد الأصول العالمي. فدخول الدول كلاعبين في سوق البيتكوين لا يوفر فقط دعمًا إضافيًا للأسعار، بل يمنح العملة المشفرة شرعية وقبولًا أوسع على الساحة الدولية. قد تبدأ الدول في النظر إلى البيتكوين كوسيلة لتنويع احتياطاتها الأجنبية، أو كأداة للتحوط ضد التضخم، أو حتى كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية الرقمية طويلة الأمد.
التشريعات الداعمة للبيتكوين في الولايات المتحدة: نقطة تحول محتملة
على صعيد السياسات والتشريعات، أشار كيندريك إلى مشروع قانون “احتياطي البيتكوين الاستراتيجي” الذي تم إقراره حديثًا في ولاية نيوهامبشير الأمريكية باعتباره نقطة تحول محتملة للتبني على مستوى الولايات الأمريكية. ومن المتوقع أن تقدم ولايات أخرى تشريعات مماثلة تهدف إلى دمج البيتكوين في استراتيجيات الخزانة الخاصة بها. هذه الخطوات التشريعية، وإن كانت على مستوى الولايات، تمهد الطريق نحو قبول أوسع وأكثر تنظيمًا للبيتكوين داخل أكبر اقتصاد في العالم.
اعتبارًا من 8 مايو، كانت ولاية أريزونا قد أقرت بالكامل تشريعًا لإنشاء صندوق احتياطي للبيتكوين، بينما كانت ولاية تكساس على وشك الموافقة على مشروع قانون مماثل. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب من 11 ولاية أخرى في طور اتخاذ قرارات بشأن مشاريع قوانين مشابهة. هذه القائمة المتنامية من الولايات التي تستكشف أو تتبنى البيتكوين كأصل احتياطي تعكس اعترافًا متزايدًا بفوائده المحتملة، بما في ذلك:
- تنويع أصول الخزانة بعيدًا عن الأصول التقليدية.
- التحوط ضد التضخم وتآكل القوة الشرائية للعملات الورقية.
- جذب الاستثمارات والابتكار في مجال التكنولوجيا المالية والبلوك تشين.
- إمكانية تحقيق عوائد مرتفعة على المدى الطويل.
إن مثل هذه التطورات التشريعية لا توفر فقط إطارًا قانونيًا للتعامل مع البيتكوين، بل ترسل أيضًا إشارة قوية إلى السوق بأن المؤسسات الحكومية بدأت تأخذ هذه الفئة من الأصول على محمل الجد.
ماذا بعد؟ الأنظار تتجه نحو إفصاحات 13F
مع توقع المزيد من الإفصاحات المؤسسية في الأسبوع المقبل عبر ملفات 13F – وهي تقارير ربع سنوية يجب على مديري الاستثمار الكبار تقديمها إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية للكشف عن ممتلكاتهم من الأسهم – حذر كيندريك من أن مسار البيتكوين قد يستمر في مفاجأة الأسواق بشكل إيجابي. هذه الإفصاحات ستقدم صورة أوضح عن مدى تبني المؤسسات للبيتكوين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال صناديق الاستثمار المتداولة أو الشركات المرتبطة بالبيتكوين.
إذا أظهرت هذه التقارير زيادة كبيرة في الاستثمار المؤسسي، فمن المرجح أن يعزز ذلك الثقة في السوق ويدفع الأسعار إلى مستويات أعلى. إن الشفافية التي توفرها هذه الإفصاحات تعتبر عاملًا مهمًا في بناء الثقة وجذب المزيد من رؤوس الأموال إلى هذا القطاع الناشئ.
في الختام، يبدو أن العوامل المتعددة – بدءًا من التدفقات القياسية إلى صناديق الاستثمار المتداولة، مرورًا بزيادة مقتنيات الشركات الكبرى مثل مايكروستراتيجي، ووصولًا إلى الاهتمام المتزايد من قبل الجهات السيادية والتشريعات الداعمة في الولايات المتحدة – كلها تجتمع لترسم صورة متفائلة جدًا لمستقبل البيتكوين. وإذا صدقت توقعات المحللين مثل جيفري كيندريك، فإن هدف 120,000 دولار قد يكون مجرد محطة في رحلة صعود أطول وأكثر إثارة للعملة المشفرة الأبرز في العالم.