“`html
تهديدات ترامب الجمركية تُعرقل زخم بيتكوين الصعودي: تحليل Santiment
في الأسابيع القليلة الماضية، شهد سوق العملات الرقمية، وعلى رأسه بيتكوين (BTC)، مرحلة من الزخم القوي والإثارة المتجددة التي جذبت انتباه المستثمرين والمتداولين على حد سواء. بعد فترة من التداول الجانبي النسبي والتجميع، بدأت أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية رحلة صعودية قوية ومثيرة للإعجاب، محطمة مستويات مقاومة رئيسية واحدة تلو الأخرى بثبات، ومتجهة بخطى واثقة نحو تسجيل قمم تاريخية جديدة. كان الشعور العام في السوق يتجه نحو التفاؤل الشديد والاعتقاد بأن الاتجاه الصعودي سيستمر، مدفوعًا بعوامل متعددة ومتضافرة تشمل التدفقات النقدية الكبيرة والمتزايدة من صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) لبيتكوين التي تم إطلاقها مؤخرًا، والتي جعلت بيتكوين في متناول شريحة أوسع بكثير من المستثمرين التقليديين والمؤسسات المالية، وزيادة الاهتمام والطلب المؤسساتي من قبل الشركات الكبرى ومديري الأصول الذين باتوا ينظرون إلى بيتكوين كأصل استثماري جاد، بالإضافة إلى اقتراب حدث التنصيف (Halving) الذي يُنظر إليه تقليديًا على أنه محفز رئيسي للارتفاعات السعرية الكبرى في تاريخ بيتكوين. كان بيتكوين قريبًا جدًا من تجاوز حاجز 112,000 دولار، وهو مستوى سعر يُعتبر مهمًا نفسيًا وفنيًا، مما عزز الآمال والتوقعات في استمرار المسار الصعودي وتحقيق قمم جديدة بسرعة قياسية. لكن هذا الزخم الصعودي القوي الذي كان يبدو لا يمكن إيقافه اصطدم فجأة بعائق غير متوقع، ولكنه ليس جديدًا على الساحة العالمية: التوترات الجيوسياسية والتجارية المتصاعدة. على وجه التحديد، عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليظهر على الساحة السياسية والاقتصادية، هذه المرة بتهديدات صريحة بفرض تعريفات جمركية جديدة ومشددة، مستهدفًا هذه المرة الشريك التجاري الرئيسي، الاتحاد الأوروبي (EU). هذه التحركات التجارية، التي كانت سمة مميزة ومثيرة للجدل لفترة رئاسته وتسببت في تقلبات كبيرة في الأسواق المالية التقليدية حول العالم، أثبتت مرة أخرى قدرتها على إحداث موجات صدمة قوية وممتدة في الأسواق المالية العالمية. ويبدو أن سوق العملات المشفرة، الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه معزول نسبيًا عن السياسات الاقتصادية الكلية والأحداث الجيوسياسية العالمية، لم يعد بمنأى عن تأثيرها المباشر. فقد فقد بيتكوين بعضًا من زخمه الصعودي الأخير والمسار الواضح الذي كان يسلكه، ليتداول بشكل جانبي وغير حاسم حول مستوى 109,500 دولار بينما يزن المتداولون والمستثمرون الآثار المحتملة لتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الاقتصاد العالمي وسوق الأصول الخطرة.
صدمة التعريفات الجمركية المتكررة وتأثيرها على بيتكوين
ليس هذا هو اللقاء الأول بين بيتكوين وتهديدات ترامب الجمركية. فقد شهد السوق تقلبات كبيرة ومماثلة في الماضي القريب نتيجة لسياسته التجارية المتشددة والعدوانية التي تركز على إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الحالية وفرض رسوم على الواردات. لنتذكر ما حدث في وقت سابق من هذا العام، وتحديداً في أوائل أبريل. في ذلك الوقت، أعلن ترامب عن مجموعة من الإجراءات التعريفية الجديدة والمثيرة للجدل التي تستهدف العديد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة حول العالم. ادعى الرئيس أن هذه الضرائب الجديدة ضرورية لمعالجة وتصحيح العجز التجاري المزمن الذي تعاني منه الولايات المتحدة مع العديد من الدول الأخرى، وذلك في إطار سياسته التي تركز بشكل أساسي على شعار “أمريكا أولاً” وحماية الصناعات المحلية. كان الاتحاد الأوروبي من بين المتضررين بشكل مباشر وفوري من هذه الجولة الأولى من التعريفات، حيث فُرضت ضريبة بنسبة 20% على مجموعة واسعة من الصادرات الأوروبية المتجهة إلى السوق الأمريكية، مما أثار استياءً كبيرًا في العواصم الأوروبية.
كيف استجاب بيتكوين، الأصل الرقمي اللامركزي، لهذه الأخبار السلبية القادمة من عالم السياسة والاقتصاد التقليدي؟ كانت الاستجابة سريعة وحادة، مما يؤكد على الترابط المتزايد. شهد سعر BTC انخفاضًا ملحوظًا وحادًا في أعقاب الإعلان، متراجعًا من مستويات تداول أعلى إلى حوالي 82,000 دولار أمريكي في فترة قصيرة جدًا. لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. بعد أيام قليلة فقط، عاد ترامب ليصعد الموقف التجاري، حيث رفع الرسوم الجمركية ضد الواردات الصينية بشكل كبير للغاية، لتصل النسبة إلى 104% على قائمة متزايدة باستمرار من السلع الصينية. هذه الإجراءات القاسية والمفاجئة، التي كان يُنظر إليها على أنها تصعيد كبير في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، دفعت أسعار بيتكوين للانخفاض أكثر، حيث تراجعت العملة المشفرة إلى مستوى أدنى بلغ 74,600 دولار. لم يؤثر هذا الانخفاض السريع على السعر النقدي للعملة فحسب، بل تسبب أيضًا في خسائر فادحة للمتداولين الذين يستخدمون الرافعة المالية في سوق العملات المشفرة، والذين تم إجبارهم على تصفية صفقاتهم الخاسرة. تشير التقديرات إلى أنه تم تصفية صفقات كريبتو بقيمة تزيد عن 287 مليون دولار أمريكي في غضون ساعات قليلة فقط، مما يعكس مدى الهشاشة والتقلب الشديد الذي يمكن أن يظهره السوق أمام الصدمات الجيوسياسية الكبرى وغير المتوقعة.
ومع ذلك، وعلى غرار العديد من التحركات المفاجئة وغير التقليدية التي اشتهر بها ترامب، لم يدم هذا الشعور السلبي والذعر طويلاً. بعد حوالي 24 ساعة من التصعيد الأخير ضد الصين، أعلن البيت الأبيض عن تطور دبلوماسي مفاجئ وغير متوقع: أن أكثر من 75 دولة حول العالم قد اتصلت بالولايات المتحدة لطلب مفاوضات عاجلة ومباشرة بشأن التعريفات الجمركية الجديدة المفروضة أو المعلن عنها. هذا التطور الدبلوماسي المفاجئ دفع ترامب إلى التراجع جزئيًا عن بعض إجراءاته، حيث أعلن عن تخفيض الضرائب المفروضة على معظم الدول إلى 10%، في بادرة اعتبرها البعض خطوة لتهدئة الأوضاع وفتح الباب للمفاوضات الجادة. على الرغم من هذا التخفيض العام، واجهت المنتجات القادمة من الصين زيادة إضافية ومستمرة، حيث ارتفعت النسبة المفروضة عليها لتصل إلى 125%، مما يشير إلى استمرار التركيز على الضغط التجاري على بكين. هذه الأخبار التي أشارت إلى انفراجة محتملة ومؤقتة في التوترات التجارية مع جزء كبير من العالم، منحت بيتكوين دفعة قوية للأعلى، حيث استجاب السعر لهذه الأخبار الإيجابية نسبيًا فورًا تقريبًا. ارتفع سعرها إلى حوالي 82,000 دولار أمريكي، قادمًا من مستوى 77,000 دولار الذي كانت تتداول عنده قبل الإعلان عن التخفيضات، مما يؤكد على حساسية بيتكوين المتزايدة للأخبار الاقتصادية الكلية.
المحادثات التجارية تُشعل الشرارة الصعودية والوصول إلى قمة تاريخية
مع نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو، بدأت تظهر تقارير متفائلة ومبشرة في وسائل الإعلام العالمية تشير إلى أن الولايات المتحدة والصين تخططان لإجراء محادثات تجارية رفيعة المستوى في المستقبل القريب بهدف تسوية خلافاتهما العالقة وإنهاء الحرب التجارية التي استمرت لفترة طويلة وأثرت على الاقتصاد العالمي. هذه الأنباء الإيجابية حول احتمال إنهاء الصراع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، والذي كان يمثل مصدر قلق كبير للأسواق العالمية ومصدرًا رئيسيًا لعدم اليقين، حفزت بيتكوين بشكل كبير وأعطت دفعة قوية للسوق. ساعدت هذه التقارير في دفع سعر BTC للارتفاع مجددًا وبقوة، حيث تجاوز مستوى 97,000 دولار أمريكي بسهولة ويسر، مرتفعًا من مستوى منخفض بلغ 94,000 دولار كان يتداول عنده قبل ظهور الأنباء. كان السوق يستجيب بشكل مباشر وحاسم للإشارات الإيجابية المتعلقة بتخفيف التوترات الجيوسياسية والتجارية، مؤكدًا مرة أخرى على أن بيتكوين لم يعد محصنًا ضد هذه العوامل الخارجية كما كان يُعتقد في سنواته الأولى.
استمر الزخم الإيجابي في البناء على مدار الأسابيع التالية، مدعومًا بعوامل أخرى إيجابية. بعد تجاوز حاجز 97,000 دولار، لم يمضِ وقت طويل حتى تخطى بيتكوين مستوى 100,000 دولار، وهو حاجز نفسي مهم للغاية يمثل علامة فارقة في رحلة العملة. كان هذا الارتفاع مدعومًا بمزيج من العوامل الإيجابية: الهدوء النسبي في التوترات الجيوسياسية الذي ساد لفترة قصيرة، بالإضافة إلى استمرار تدفقات الأموال القوية والمتواصلة إلى صناديق الاستثمار المتداولة لبيتكوين التي أصبحت قناة رئيسية وموثوقة للمستثمرين التقليديين للوصول إلى فئة الأصول الرقمية بسهولة أكبر، والطلب المؤسساتي المتزايد الذي كان مؤشرًا واضحًا على نضج فئة الأصول الرقمية وقبولها المتزايد بين المستثمرين الكبار والمؤسسات المالية التي تبحث عن تنويع محافظها الاستثمارية. توجت هذه الفترة الصعودية القوية والمبشرة بتسجيل العملة الملكة رقمًا قياسيًا جديدًا على الإطلاق (ATH) في 22 مايو، متجاوزة قممها السابقة. كان مراقبو السوق والمحللون يتوقعون أن يتجه بيتكوين سريعًا نحو تحقيق المعالم السعرية التالية، مع توقعات بوصول السعر إلى مستويات غير مسبوقة تتجاوز حتى التوقعات الأولية الأكثر تفاؤلاً. كان الشعور بالنشوة والتفاؤل المطلق يسيطر على قطاع كبير من السوق، مع اعتقاد العديد من المستثمرين أن المسار الصعودي القوي سيستمر دون عوائق كبيرة في المستقبل القريب، وأن العملة في طريقها لتحقيق مكاسب هائلة.
صدمة تعريفية جديدة تُوقف الارتفاع: الاتحاد الأوروبي تحت المجهر مرة أخرى
ولكن، كما حدث مرارًا وتكرارًا في الماضي القريب، عاد ترامب مرة أخرى ليلقي بحجر كبير وثقيل في مياه السوق الهادئة نسبيًا، محطمًا آمال الكثيرين في استمرار الارتفاع السلس والمستقر. في 23 مايو، وبعد يوم واحد فقط من تسجيل بيتكوين لقمته التاريخية الجديدة وفي خضم احتفالات المتداولين والمستثمرين بهذا النجاح الكبير، أعلن ترامب عن فرض تعريفة جمركية باهظة ومفاجئة بنسبة 50% على مجموعة واسعة من سلع الاتحاد الأوروبي. برر هذا القرار المفاجئ وغير المتوقع بوجود مفاوضات تجارية متوقفة أو متعثرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كان تأثير هذا الإعلان فوريًا وقويًا ومباشرًا على سوق العملات المشفرة، مما يدل مرة أخرى على مدى حساسية السوق للأخبار المتعلقة بالسياسة التجارية الأمريكية وتصريحات الشخصيات المؤثرة. انخفض سعر بيتكوين على الفور بنسبة ملحوظة بلغت 4% في غضون ساعات قليلة، ليتداول عند مستوى 107,500 دولار بعد أن كان يحوم بالقرب من قمته التاريخية. لم يقتصر التأثير السلبي على بيتكوين فحسب، بل جر هذا الانخفاض السريع العملات البديلة (Altcoins) معه إلى الأسفل، مما تسبب في خسائر واسعة النطاق في جميع أنحاء السوق. تراجعت عملات رئيسية مثل مونيرو (Monero – XMR) بنسبة 5.5% وهايبرليكيد (Hyperliquid – HYPE) بنسبة 3.5%، وغيرها الكثير من العملات البديلة التي شهدت انخفاضات مماثلة أو أكبر، مما يوضح الترابط المتزايد ليس فقط بين بيتكوين والأسواق التقليدية، ولكن أيضًا بين بيتكوين وبقية سوق العملات المشفرة الأوسع.
لم تكن استجابة السوق مقتصرة على حركة الأسعار الفورية فحسب، بل امتدت لتشمل المشاعر العامة للمتداولين. عكست المشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التداول والمناقشات عبر الإنترنت، والتي تتعقبها شركة تحليلات بيانات البلوك تشين الرائدة Santiment، حالة من الذعر والخوف المتزايدين بين المتداولين والمستثمرين. أفادت Santiment في تحليلاتها أن المتداولين الأفراد، الذين يمثلون شريحة كبيرة ومؤثرة من المشاركين في السوق، بدأوا يفرون بشكل جماعي من العملات البديلة بحثًا عن الأصول الأكثر أمانًا نسبيًا (مثل بيتكوين نفسه، أو حتى العملات المستقرة التي تحافظ على قيمتها) أو لتغطية هوامشهم المتآكلة بسبب الانخفاض السريع في الأسعار. في الوقت نفسه، رصدت Santiment ارتفاعًا هائلاً وغير مسبوق في الإشارات التي تتضمن كلمة “تعريفة” (Tariff) على المنصات المختلفة التي يتم تتبعها لتحليل المشاعر، حيث قفزت هذه الإشارات بنسبة مذهلة بلغت 300% في فترة قصيرة جدًا. هذه القفزة الهائلة في ذكر التعريفات الجمركية كانت أكبر زيادة تُسجل منذ التصحيح الكبير الذي شهدته السوق في أبريل الماضي والذي كان مدفوعًا جزئيًا بتهديدات ترامب السابقة. هذا يؤكد بشكل قاطع أن تهديدات ترامب وسياساته التجارية لا تزال تُعتبر محركًا رئيسيًا وفعالًا للخوف وعدم اليقين في مساحة العملات المشفرة، ولها القدرة على التأثير بشكل كبير وسريع على سلوك المتداولين ومشاعرهم.
ومع ذلك، وعلى غرار الأحداث السابقة المتعلقة بتهديدات ترامب الجمركية، أثبتت موجة البيع الحادة هذه أنها قصيرة العمر نسبيًا ولم تستمر طويلاً. بحلول 25 مايو، بعد يومين فقط من إعلان التعريفات الجديدة على الاتحاد الأوروبي والذي أثار موجة من القلق وعدم اليقين في الأسواق، أعلن الرئيس الأمريكي عن وقف العمل بالتعريفات المعلنة مؤقتًا، مشيرًا إلى استمرار المحادثات والمفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي بهدف التوصل إلى حل. كانت هذه الخطوة بمثابة نفَس كبير ومريح للمستثمرين الذين كانوا يخشون تصعيدًا تجاريًا وشيكًا وممتدًا مع الاتحاد الأوروبي. استجاب بيتكوين لهذه الأخبار الإيجابية فورًا تقريبًا، مما يؤكد مرة أخرى مدى حساسية السوق وسرعة استجابته للأخبار المتعلقة بالسياسة التجارية الأمريكية. بدأ السعر في التعافي واستعادة بعض من خسائره السابقة بسرعة، ليعود ويتداول عند مستوى 109,500 دولار، وفقًا لبيانات CoinGecko. هذه الاستجابة السريعة والواضحة للتعليق المؤقت للتعريفات تسلط الضوء ليس فقط على حساسية السوق للأخبار السياسية والاقتصادية الكلية، بل أيضًا على وجود طلب كامن وقوي وجاهز للشراء عند أدنى المستويات، مما يحد من حجم التصحيحات السعرية ويشير إلى وجود ثقة أساسية في الأصول الرقمية على المدى الطويل.
تحليل Santiment: تكتيك “التهديد ثم التأجيل” ونقطة تحول محتملة
في منشور تحليلي لها بتاريخ 27 مايو، قدمت شركة Santiment، المتخصصة في تحليلات بيانات البلوك تشين وسلوك السوق، تحليلًا معمقًا ومثيرًا للاهتمام لهذه الديناميكية المتكررة التي يفرضها ترامب على الأسواق العالمية. أشارت Santiment إلى أن تكتيك “التهديد ثم التأجيل” (Threat-then-Delay)، والذي أصبح سمة مميزة ومعتادة لاستراتيجية ترامب التجارية خلال فترة رئاسته وما بعدها، أبقى الأسواق العالمية، بما في ذلك سوق العملات المشفرة الذي يتأثر به بشكل مباشر الآن، تتأرجح بشكل مستمر وغير مستقر بين حالة من الخوف والقلق الشديد من جهة، حيث يتوقع المتداولون أسوأ السيناريوهات، وبين التفاؤل الحذر والأمل في التوصل إلى حلول دبلوماسية أو تجارية من جهة أخرى عندما يتم تأجيل التهديدات أو التراجع عنها جزئيًا. هذا التكتيك يخلق بيئة من عدم اليقين المستمر ويجعل من الصعب للغاية على المستثمرين والمتداولين بناء استراتيجيات طويلة الأجل بثقة أو التنبؤ بالتحركات السعرية المستقبلية بدقة.
علق المحلل BrianQ، الذي يعمل على تحليل بيانات السوق وسلوك المتداولين في Santiment، على الوضع الحالي ملاحظًا: “بالنسبة للمستثمرين في العملات المشفرة، حيث التقلب متأصل بالفعل في طبيعة السوق ويُعتبر جزءًا لا يتجزأ منه، يضيف هذا التكتيك السياسي المتمثل في التهديد ثم التراجع طبقة أخرى معقدة وغير مرغوبة من عدم القدرة على التنبؤ”. هذه الملاحظة مهمة للغاية لأنها تسلط الضوء على التأثير المضاعف للتقلبات الجيوسياسية على أصل يعتبر بالفعل عالي التقلب بطبيعته الداخلية. وأضاف BrianQ مؤكدًا على التغير الجذري الذي طرأ على طبيعة سوق العملات المشفرة على مر السنين القليلة الماضية: “من الصعب إنكار أن الأصول الرقمية أصبحت أكثر تشابكًا بشكل كبير ومتزايد مع الاتجاهات الاقتصادية الكلية العالمية مما كانت عليه قبل عقد من الزمان أو أكثر، عندما كان سوق الكريبتو يبدو وكأنه ساحة حرة بالكامل ومنفصلة تمامًا عن الأنظمة المالية التقليدية والأحداث العالمية الكبرى.” هذه الملاحظة تؤكد على أن العملات المشفرة لم تعد مجرد ظاهرة هامشية تقتصر على دائرة ضيقة من المهتمين بالتقنية اللامركزية والمتبنين الأوائل، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ وفاعلًا أساسيًا من المشهد المالي العالمي، تتأثر بشكل مباشر وتؤثر بشكل متزايد في الأحداث الاقتصادية والسياسية الكبرى. هذا الترابط المتزايد يعني أن تحليل سوق العملات المشفرة لم يعد يقتصر على العوامل الداخلية البحتة مثل التطورات التقنية للبلوك تشين واعتماد الشبكة، بل يجب أن يشمل أيضًا فهمًا عميقًا وشاملاً للعوامل الخارجية الكلية التي تحرك الأسواق التقليدية.
9 يوليو: التاريخ الفاصل التالي الذي يجب مراقبته
مع تأجيل قرار التعريفة التالي على سلع الاتحاد الأوروبي حتى 9 يوليو، أصبح مسار بيتكوين في المدى القريب مرهونًا إلى حد كبير بالتطورات الجيوسياسية والمفاوضات التجارية التي ستجري خلف الأبواب المغلقة. هذا التاريخ يمثل نقطة تحول محتملة وحرجة للغاية يجب على جميع المشاركين في السوق مراقبتها عن كثب. إذا قرر ترامب، أو الإدارة الأمريكية بشكل عام، المضي قدمًا في فرض التعريفات المعلنة بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي في هذا التاريخ أو قبله، فقد تتوالى التداعيات السلبية عبر الأسواق المالية العالمية بشكل واسع ومؤثر. يمكن أن يؤثر ذلك سلبًا على أسواق الأسهم العالمية التي قد تشهد انخفاضات حادة كرد فعل فوري على التوترات التجارية، وأسواق العملات الأجنبية التي قد تتأثر بتقلبات التجارة الدولية وتغير موازين القوى الاقتصادية، وبالتأكيد، سوق العملات المشفرة الذي أظهر حساسية عالية ومتزايدة تجاه هذه الأخبار في الماضي القريب. يمكن أن يؤدي فرض تعريفات جمركية كبيرة إلى موجة جديدة من عدم اليقين وزيادة حادة في النفور من المخاطرة بين المستثمرين على مستوى العالم، مما قد يدفعهم إلى سحب استثماراتهم من الأصول الأكثر تقلبًا والأكثر حساسية للمخاطر مثل العملات المشفرة، والتوجه نحو الأصول الآمنة نسبياً.
حتى ذلك الحين، يجد متداولو الأصول الرقمية ومستثمروها أنفسهم عالقين في حالة من عدم اليقين المزدوج التي تتطلب حذرًا شديدًا. فهم عالقون بين التفاؤل الفني الذي قد تشير إليه الرسوم البيانية والمؤشرات الفنية، والتي ربما لا تزال تعكس زخمًا صعوديًا محتملًا بناءً على الديناميكيات الداخلية للسوق، وبين عدم القدرة على التنبؤ السياسي التي يمكن أن تقلب الطاولة وتغير اتجاه السوق بشكل جذري وسريع في أي لحظة بناءً على تغريدة واحدة أو إعلان سياسي مفاجئ. السوق بشكل عام في حالة ترقب حذر للغاية، حيث يمكن لأي خبر إيجابي أو سلبي يتعلق بالمحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو التطورات السياسية الأوسع، أن يتسبب في تحركات سعرية حادة ومفاجئة وغير متوقعة. هذا الوضع يسلط الضوء على حقيقة أن الاستثمار الناجح في العملات المشفرة في العصر الحالي يتطلب ليس فقط فهمًا عميقًا للتقنية الأساسية التي تقوم عليها، وديناميكيات السوق الداخلية مثل العرض والطلب وأحداث التنصيف، بل أيضًا وعيًا قويًا وشاملاً بالعوامل الاقتصادية والسياسية العالمية الأوسع التي أصبحت تؤثر بشكل متزايد على أسعار الأصول الرقمية وحركة السوق.
خلاصة واستنتاج
في النهاية، تُظهر الأحداث الأخيرة المتعلقة بتهديدات ترامب الجمركية المتكررة وتأثيرها الفوري والملموس على سعر بيتكوين بوضوح أن سوق بيتكوين لم يعد يعمل في فراغ أو بمعزل عن العالم الخارجي والأحداث العالمية الكبرى. لقد أصبح متزايدًا في تفاعله وتأثره بالأحداث العالمية الكبرى، خاصة تلك المتعلقة بالسياسات التجارية والاقتصادية للقوى الكبرى على الساحة الدولية مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والصين. تهديدات ترامب المتكررة والمفاجئة بفرض تعريفات جمركية، وتأثيرها الفوري والملموس على سعر بيتكوين، هو دليل قاطع وواضح على هذا الترابط المتزايد بين سوق العملات المشفرة والأسواق التقليدية والعوامل الجيوسياسية. وبينما ينتظر السوق تاريخ 9 يوليو بفارغ الصبر، الذي قد يحمل قرارًا جديدًا يؤثر بشكل كبير على التوترات التجارية العالمية، يبقى عدم اليقين هو السمة المهيمنة على المدى القصير. على المتداولين والمستثمرين في مساحة العملات المشفرة أن يظلوا حذرين للغاية ومستعدين للتقلبات، وأن يراقبوا ليس فقط الرسوم البيانية الفنية وأنماط التداول التاريخية، ولكن أيضًا عناوين الأخبار السياسية والاقتصادية العالمية الرئيسية، حيث أن مستقبل بيتكوين على المدى القصير قد يكون معلقًا بقرار يتخذه سياسي على الجانب الآخر من العالم. هذا المشهد المتطور يؤكد على التحول الكبير الذي مر به سوق العملات المشفرة، من كونه مجالًا هامشيًا ومحدودًا يقتصر على المتحمسين الأوائل للتقنية اللامركزية، إلى كونه فاعلًا رئيسيًا وناضجًا يتأثر بالديناميكيات المعقدة للاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، ويستجيب بسرعة للصدمات الخارجية تمامًا مثل الأصول التقليدية الأخرى، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من النظام المالي العالمي الحديث.
“`