“`html
مؤسس تيليجرام يرفض “بشدة” رقابة المحتوى السياسي قبل الانتخابات الرومانية
أعلن بافيل دوروف، مؤسس منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة تيليجرام، أنه “رفض بشدة” طلبًا من حكومة غربية أوروبية بفرض رقابة على محتوى سياسي محافظ. جاء هذا الإعلان الصريح في منشور نشره دوروف على حسابه في تيليجرام بتاريخ 18 مايو.
وفي منشوره، أكد دوروف على موقف تيليجرام المبدئي تجاه حرية التعبير لمستخدميها. كتب دوروف في هذا الصدد:
“تيليجرام لن تقيد حريات المستخدمين الرومانيين ولن تحظر قنواتهم السياسية.”
جاء هذا الطلب بفرض الرقابة قبل الانتخابات الرئاسية الرومانية التي كانت مقررة في ذلك اليوم. شهدت الانتخابات فوز نيكوشور دان، عالم الرياضيات الذي تحول إلى رئيس بلدية ليبرالي لبخارست، على منافسه القومي اليميني جورج سيميون ليصبح رئيسًا لرومانيا.
سياق الطلب: انتخابات رومانيا وأهمية الحرية
إن توقيت طلب الرقابة – قبل انتخابات رئاسية حاسمة – يلقي الضوء على الضغوط التي قد تتعرض لها منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترات الانتخابية. تسعى بعض الجهات إلى التأثير على الخطاب العام والوصول إلى الناخبين من خلال محاولة التحكم في المعلومات المتاحة على المنصات الرقمية. رفض تيليجرام لمثل هذا الطلب يؤكد على التزام المنصة بمبدأ الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو التأثير على نتائجها الانتخابية عبر تقييد حرية التعبير لمواطنيها.
لطالما كان تيليجرام في صدارة النقاشات المتعلقة بحرية التعبير والخصوصية في الفضاء الرقمي. غالبًا ما يتم الترحيب بموقفه في هذه القضايا من قبل المدافعين عن الحقوق الرقمية، بينما يتعرض لانتقادات بسبب استخدامه من قبل مجموعات تعتبر متطرفة أو خطيرة. ومع ذلك، يصر دوروف وفريقه على أن دور المنصة هو توفير بنية تحتية آمنة للتواصل، وأن مسؤولية المحتوى تقع على عاتق المستخدمين، مع وجود سياسات واضحة ضد المحتوى غير القانوني الصريح مثل المواد الإباحية للأطفال والتحريض على العنف.
إن الانتخابات الرومانية وما تبعها من تطورات تسلط الضوء مجددًا على التوازن الدقيق بين حرية التعبير الضرورية للديمقراطية وبين الحاجة المحتملة لمكافحة التضليل أو خطاب الكراهية. قرار تيليجرام في هذه الحالة كان واضحًا: الحفاظ على حرية التعبير للمواطنين الرومانيين دون تدخل خارجي.
اتهامات بالتدخل ضد فرنسا
في منشوره الأولي، لم يذكر دوروف صراحة اسم الدولة التي طلبت منه الرقابة. ومع ذلك، لمح إليها باستخدام رمز تعبيري (إيموجي) لرغيف خبز فرنسي (باجيت)، مما أشار بشكل لا لبس فيه إلى فرنسا. لم يتوقف دوروف عند التلميح، بل قدم رؤيته حول التناقض في محاولة الدفاع عن الديمقراطية من خلال تدميرها. كتب دوروف:
“لا يمكنك ‘الدفاع عن الديمقراطية’ بتدمير الديمقراطية. لا يمكنك ‘مكافحة التدخل الانتخابي’ بالتدخل في الانتخابات. إما أن يكون لديك حرية تعبير وانتخابات نزيهة – أو لا. والشعب الروماني يستحق الاثنين.”
هذا البيان القوي من دوروف يعكس فلسفته الأساسية حول حرية التعبير كحجر زاوية لأي مجتمع ديمقراطي حقيقي. التدخل في الانتخابات، سواء كان ذلك من خلال قمع أصوات معينة أو التلاعب بالمعلومات، يتناقض بشكل مباشر مع مبادئ الديمقراطية التي يدعي البعض حمايتها.
ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، زعمت فرنسا أن مزاعم التدخل كانت “لا أساس لها على الإطلاق”. هذا النفي الفرنسي دفع دوروف لتسمية فرنسا وممثلها الذي قدم الطلب علنًا، مؤكداً على أن موقفه يستند إلى حقائق ملموسة وليس مجرد تكهنات.
في منشور لاحق على منصة X (المعروفة سابقًا بتويتر)، صرح دوروف بأنه التقى مع نيكولا ليرنر، رئيس الاستخبارات الفرنسية، في صالون المعارك بفندق كريون في باريس. وخلال هذا الاجتماع، طلب ليرنر من دوروف “حظر” المحتوى السياسي المحافظ على تيليجرام قبيل الانتخابات الرومانية.
وأضاف دوروف أن تيليجرام لم تمس حقوق المحتجين في روسيا أو بيلاروسيا أو إيران، و”لن تبدأ بفعل ذلك في أوروبا”. هذا التأكيد يشير إلى أن موقف تيليجرام ثابت وغير متأثر بالموقع الجغرافي أو الطبيعة السياسية للنظام، وأن المنصة تسعى لتوفير مساحة آمنة للتواصل حتى في ظل الأنظمة التي تقمع حرية التعبير.
بعد فوز دان، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون، في منشور على منصة X، أنه اتصل بهنأ دان، لكنه لم ينفِ وجود محاولات للتلاعب بنتائج الانتخابات. بينما تعهد ماكرون بدعم فرنسا، كتب:
“على الرغم من المحاولات العديدة للتلاعب، اختار الرومانيون الليلة الديمقراطية، سيادة القانون، والاتحاد الأوروبي.”
يشير تصريح ماكرون إلى إدراك الحكومة الفرنسية لوجود “محاولات للتلاعب”، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه المحاولات وما إذا كانت مرتبطة بالطلب الذي تلقاه دوروف من رئيس الاستخبارات الفرنسية. صمت ماكرون عن نفي الطلب المحدد الذي كشف عنه دوروف يعزز مصداقية رواية مؤسس تيليجرام.
دوروف تحت الأضواء بعد اعتقاله في فرنسا العام الماضي
اكتسب بافيل دوروف شهرة واسعة، خاصة داخل مجتمع العملات المشفرة، بعد اعتقاله من قبل السلطات الفرنسية في أغسطس 2024. هذا الاعتقال سلط الضوء على موقفه القوي بشأن حرية التعبير والخصوصية والحريات الفردية، وهي مبادئ تحظى بتقدير كبير في هذا المجتمع.
وجه المدعون الفرنسيون اتهامات لدوروف بالتواطؤ في تسهيل جرائم مثل استغلال الأطفال جنسياً والاتجار بالمخدرات من خلال منصة تيليجرام. تأتي هذه الاتهامات في سياق الضغوط المتزايدة على منصات التراسل المشفرة لمكافحة المحتوى غير القانوني على منصاتها. غالبًا ما تجادل هذه المنصات بأن التشفير من طرف إلى طرف يحمي خصوصية جميع المستخدمين، بما في ذلك المعارضون والصحفيون والمواطنون العاديون، وأن المطالب بكسر التشفير أو إنشاء أبواب خلفية يمكن أن تستغلها أنظمة قمعية أو مجرمون.
دان مجتمع العملات المشفرة بشدة اعتقال دوروف في رسالة مفتوحة، واتهموا الحكومة الفرنسية بانتهاك حقوق الإنسان. اعتبر الكثيرون في هذا المجتمع أن الاعتقال كان محاولة للضغط على تيليجرام للتنازل عن مبادئ الخصوصية أو التعاون بشكل أكبر مع جهات إنفاذ القانون بطرق قد تهدد خصوصية المستخدمين. يرون في دوروف مدافعًا عن الحريات الرقمية في وجه محاولات الحكومات لزيادة المراقبة والتحكم.
في اليوم التالي لاعتقاله، تم منح دوروف كفالة قدرها 5 ملايين يورو ووضع تحت المراقبة القضائية. هذا التطور يشير إلى أن القضية لم تكن واضحة المعالم أو أن الأدلة لم تكن قوية بما يكفي لاحتجازه لفترة طويلة قبل المحاكمة. في مارس من العام التالي، منحت محكمة فرنسية طلب دوروف لتعديل شروط الكفالة، مما سمح له بأسابيع إجازة لزيارة دبي، حيث يقع المقر الرئيسي لشركة تيليجرام.
تفاعلات دوروف مع السلطات الفرنسية، سواء فيما يتعلق بقضية اعتقاله السابقة أو طلب الرقابة الأخير، تضع تيليجرام في موقف فريد على الساحة العالمية. المنصة لا تزال تكتسب شعبية كبيرة، خاصة في المناطق التي توجد فيها قيود على حرية الإعلام أو حيث يسعى الناس للتواصل بعيدًا عن أعين المراقبة الحكومية. موقف دوروف الثابت ضد الرقابة، حتى عندما يأتي الطلب من حكومة غربية ديمقراطية، يعزز صورته كمدافع عن الحريات الرقمية، ولكنه أيضًا يعرض المنصة لمزيد من التدقيق والضغوط من الحكومات حول العالم.
إن رفض تيليجرام التدخل في الانتخابات الرومانية بناءً على طلب خارجي يؤكد على التزام المنصة بالحياد السياسي واحترام سيادة الدول وحرية مواطنيها في التعبير عن آرائهم. في عصر تتزايد فيه أهمية منصات التواصل الاجتماعي كوسائل رئيسية للمعلومات والنقاش العام، تصبح مسؤولية هذه المنصات في حماية حرية التعبير وعدم الانحياز أكثر أهمية من أي وقت مضى. قضية رومانيا وفرنسا مثال صارخ على التحديات التي تواجهها هذه المنصات في الموازنة بين القوانين المحلية والمطالب الحكومية من جهة، وبين مبادئها الأساسية وحقوق مستخدميها من جهة أخرى.
يستمر النقاش حول دور عمالقة التكنولوجيا في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي. حادثة تيليجرام ورومانيا تضيف بُعداً هاماً لهذا النقاش، حيث تُظهر كيف يمكن للضغوط أن تأتي حتى من دول يُنظر إليها على أنها ديمقراطية، وكيف يمكن لموقف ثابت من منصة تكنولوجية أن يحافظ على استقلالية العملية الديمقراطية في دولة أخرى. يتابع العالم عن كثب كيف ستستمر تيليجرام وغيرها من المنصات في التعامل مع هذه التحديات المعقدة في المستقبل.
“`